أرتباط النحت الخزفــي بالمجتمع

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

الهيئة العامة للتعليم التطبيقى والتدريب (دولة الکويت) کلية التربية الاساسية - قسم التربية الفنية

المستخلص

يعد فن النحت الخزفي من الفنون القديمة، فهذا الاتجاه من الفن ليس وليد العصر الحديث بل له آثارا في کثير من الحضارات الکبرى، وقد تأثر هذا المجال بفلسفة کل حضارة من الحضارات التي وجد فيها، فقد ظهرت أعمال النحت الخزفي في فنون الحضارات القديمة،
إن الفن التشکيلي وسيلة من وسائل الاتصال بين الفنان وأفراد المجتمع.
يعتبر الخزف اليوم أحد أکثر الحرف الفنية شهرة بين الذين يستمتعون بالقيام بمشاريع يدوية ويعتبر الخزف بسيطا مع ذلک فهو معقد وکذلک قديما وفي نفس الوقت فهو حديث ومتطور.
وطبيعة الطين تحفز على إبداع الموضوع وتعبر عن صانعها وتعکس لمسته مما يجعل العمل في حد ذاته متعة.
وإذا تتبعنا جذور فن الخزف نجده صورة صادقة تحکي لنا نمو الحضارة حيث أنه يقدم الإحساس المريح للاتصال بماضينا في الوقت الذي يکون فيه الحاضر متغيرا وبدون أصالة.
وفي النهاية فإن الخزف هو الحرفة التي تمارسها في المنزل دون تکلفة باهظة أو استهلاک الکثير من المواد الخام والتجهيزات.
کما يعتبر فن الخزف من الفنون المرتبطة بحياة أفراد المجتمع حيث يتسم بالبساطة البعيدة عن التکليف والتعقيد، بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات اليومية، فهو فن يغلب عليه الاتجاه النفعي الاجتماعي مع الاهتمام بالنواحي الجمالية، ولکن مع تطور مفهوم فن الخزف من حيث الشکل والمضمون، فأصبح الهدف إنتاج أعمال خزفية ذات طابع مفاهيمي، تسعى إلى الاستعانة بکافة المعطيات التکنولوجية للعصر من المواد والوسائط المتعددة، لممارسة إبداعية تتبادل فيها الخبرات المختلفة حول التفکير بالخزف وتسهم في تفاعل بين الفنان المبدع والفرد في المجتمع.
کما نجد أن التشکيل الخزفي من أکثر الأنشطة الإنسانية تميزا لأنه يعبر عن فلسفة أفراد المجتمع، فالمعرفة عن طريق الفن جزء لا يتجزأ من الخبرة الجمالية التي يعيشها الإنسان بکامل کيانه، بل يمکن تعزيزها بممارسة الإبداع الفني، حيث يؤکد أصحاب النظرية الاجتماعية في الفن على أنه هو الاتصال بين عقل الفنان وعقل ووجدان أفراد المجتمع، لأن هناک روابط وثيقة بين الفن وغيره من الظواهر الاجتماعية والثقافية، فالفنانون لا يبدعون من أجل استمتاعهم الشخصي بل يسعوا إلى تحقيق ذاتهم من خلال أفراد المجتمع.

الكلمات الرئيسية


مقدمة البحث:

حینما أتناول کتابة هذا البحث فهو یتکلم عن علاقة وأرتباط الخزف بالمجتمع، أجد نفسی أقف أمام عالم ساحر فیه الألوان التی یصوغها الفنان بالجلیزات وألوانها الساحرة، وفیه الخامة وهی متوفرة ودائمة والطین الأسوا نلی الذی یشعرنا بالرجوع إلى بدایة الخلق حیث أن الله خلق آدم علیه السلام من صلصال، وفی الید واللمسات التی یصنعها الفنان بأنامله فکل لمسة منه لها جمالها وسحرها الخاص وما یجعل للخزف سحره الخاص أنه بدأ منذ بدایة الإنسان فارتبط به کجزء من أدواته الهامة وأیضاً کعامل هام لإخراج مهارته الفنیة ولیشعر من خلال العمل بالجمال فهو لم یصنع من الطین والأدوات فقط بل صنع التماثیل الصغیرة المعبرة عن مشاعره ومیوله، وما یجعلنا نهتم بالخزف کفن یجعلنا نهتم به أیضاً کأداة هامة استخدمها الفنان فی کل العصور والحضارات المختلفة.

یعتبر الخزف الیوم أحد أکثر الحرف الفنیة إرتباط بالمجتمع و شهرة بین الذین یستمتعون بالقیام بمشاریع یدویة ویعتبر الخزف بسیطا مع ذلک فهو معقد وکذلک قدیما وفی نفس الوقت فهو حدیث ومتطور.

وطبیعة الطین تحفز على إبداع الموضوع وتعبر عن صانعها وتعکس لمسته مما یجعل العمل فی حد ذاته متعة.

وإذا تتبعنا جذور فن الخزف نجده صورة صادقة تحکی لنا نمو الحضارة حیث أنه یقدم الإحساس المریح للاتصال بماضینا فی الوقت الذی یکون فیه الحاضر متغیرا وبدون أصالة.

وفی النهایة فإن الخزف هو الحرفة التی تمارسها فی المنزل دون تکلفة باهظة أو استهلاک الکثیر من المواد الخام والتجهیزات.

کما یعتبر فن الخزف من الفنون المرتبطة بحیاة أفراد المجتمع حیث یتسم بالبساطة البعیدة عن التکلیف والتعقید، بالإضافة إلى تلبیة الإحتیاجات الیومیة، فهو فن یغلب علیه الاتجاه النفعی الاجتماعی مع الاهتمام بالنواحی الجمالیة، ولکن مع تطور مفهوم فن الخزف من حیث الشکل والمضمون، فأصبح الهدف إنتاج أعمال خزفیة ذات طابع مفاهیمی، تسعى إلى الاستعانة بکافة المعطیات التکنولوجیة للعصر من المواد والوسائط المتعددة، لممارسة إبداعیة تتبادل فیها الخبرات المختلفة حول التفکیر بالخزف وتسهم فی تفاعل بین الفنان المبدع والفرد فی المجتمع.

کما نجد أن التشکیل  النحت الخزفی من أکثر الأنشطة الإنسانیة تمیزا لأنه یعبر عن فلسفة أفراد المجتمع، فالمعرفة عن طریق الفن جزء لا یتجزأ من الخبرة الجمالیة التی یعیشها الإنسان بکامل کیانه، بل یمکن تعزیزها بممارسة الإبداع الفنی، حیث یؤکد أصحاب النظریة الاجتماعیة فی الفن على أنه هو الاتصال بین عقل الفنان وعقل ووجدان أفراد المجتمع، لأن هناک روابط وثیقة بین الفن وغیره من الظواهر الاجتماعیة والثقافیة، فالفنانون لا یبدعون من أجل استمتاعهم الشخصی بل یسعوا إلى تحقیق ذاتهم من خلال أفراد المجتمع.

هدف البحث :

  • دراسة أرتباط النحت الخزفى فى المجتمع منذ القدم من خلال العصور القدیمة ومدد التفاعل بین الفنان المبدع والفرد فى المجتمع.

أهمیة البحث:

  • إبراز أهمیة دورالنحت الخزفى کقیمة ابداعیة وجمالیة وتاریخیة ووظیفیة تخدم المجتمع على مر العصور.
  • إبراز قیمة الخزف کأحد أهم الحرف التى ساهمت فى خدمة المجتمع من إحتیاجات الفرد الضروریة مثل أدوات الطهى و الطعام والشراب  إلخ.

فروض البحث:

  • یذخر النحت الخزفى بالقیم الفنیة التشکیلیة التى تخدم المجتمع  من إحتیاجات .
  • یفترض الباحث ان النحت الخزفى قد یکون مصدر إثرائى فى مجال التعبیر عند الفنان فى العصور القدیمة.

منهج البحث:

  • یعتمد البحث على المنهج الوصفى التحلیلى والتاریخى فى تناول الموضوع

(إرتباط النحت الخزفى بالمجتمع ) والقاء الضوء على فترات من العصور القدیمة .

بدایة نشأة النحت الخزف فی المجتمع:

یعد فن النحت الخزفی من الفنون القدیمة، فهذا الاتجاه من الفن لیس ولید العصر الحدیث بل له آثارا فی کثیر من الحضارات الکبرى، وقد تأثر هذا المجال بفلسفة کل حضارة من الحضارات التی وجد فیها، فقد ظهرت أعمال النحت الخزفی فی فنون الحضارات القدیمة، ففی العصور البدائیة وجدت التماثیل والتمائم المصنوعة من الطین المحروق، وکذلک فی العصر الفرعونی والفینیقی والإغریقی والرومانی وغیرهم، وامتد تواجد فن النحت المنفذ بتقنیات الخزف والفخار إلى العصر الإسلامی الذی صنعت فیه أشکال نحتیة خزفیة کاملة وأجزاء من أوانی کالفوهات والمقابض وقد أبدع صیاغتها أحیاناً باستخدام البریق المعدنی الذی اشتهر به فن الخزف الإسلامی، والنحت الخزفی استمر وجوده حتى عصرنا هذا، وهذا لیس بغریب لأن فن النحت والخزف یتفقان فی کونهما من الفنون المجسمة ثلاثیة الأبعاد التی صاحبت الحضارات الأولى للإنسان والتى کانت مرتبطة بتعبیراته عن مخاوفه وأفکاره وأحاسیسه وطقوسه الدینیة والدنیویة.

وقد اکتسب الطین الخزفی منشأة من بدایات وجود الأرض وبدایته کخامة نافعة تعود إلى ما قبل التاریخ ومن آلاف السنین وکان ذلک من انتشار طرق الحیاة الزراعیة الأکثر تقدما ورسوخا بدأ یظهر مدى استعمال الإنسان للطین الخزفی فی أدواته المنزلیة وتوضح الکسر الفخاریة التی تم العثور علیها سطوحا لحبال فخاریة ویرجع تاریخها إلى ما قبل التاریخ، وقد استخدم الإنسان الطین فی تغلیف سلال القمح من الداخل حتى تکون محتویاته فی مأمن.

وبمحض الصدفة اکتشف أن النار تجعل الطین أکثر صلابة وتجملا وکانت تشکل بالحبال وطریقة الحرق البدائیة هذه تجعل الأوانی سوداء اللون ومسامیة تماما وهشة وسریعة الکسر.

وصناعة الخزف ظهرت من سبعة آلاف عام تقریبا فی الشرق الأوسط وکانت تصمیمات بدائیة وکان یحفر علیها بعض الزخارف الرمزیة وکان الوعاء یدعک بحجر ناعم للحصول على سطح مصقول وأقل مسامیة.

وقد استعملوا الفرشاة والألوان وأکاسید الألوان وقد وجدت أمثلة لذلک فی الأوعیة الفخاریة المصریة وبعضها یعود لخمسة آلاف عام مضت.

فن الخزف کوسیلة لتثقیف المجتمع بالفن:

إن الفن التشکیلی وسیلة من وسائل الاتصال بین الفنان وأفراد المجتمع، ویعد من أهم الرسائل الهامة التی تستهدف تحلیل الرسالة لمعرفة الهدف منها، فعنصر الرسالة فی عملیة الاتصال هو العنصر المحوری لتوثیق الصلة بین المرسل والمستقبل للوصول إلى فهم عملیة الاتصال من خلال إدراک مضمون الرسالة، حیث یتضمن الاتصال التفاعلات المتبادلة بین المرسل والمستقبل، ونجد أن عملیة التثقیف بالفن من خلال الاتصال بأفراد المجتمع تشتمل على عناصر رئیسیة هی المرسل القائم بالتثقیف بالفن "الفنان" الذی یصوغ فکرته فی عناصر ورموز معینة، ویرسلها إلى المستقبل "أفراد المجتمع المصری" الذین یفکرون فی هذه العناصر والرموز ویفسروا معناها، ثم یستجیبون لها معبرین عنها برسالة جدیدة یصوغونها من رموز، لیبعثون بها إلى المرسل الذی یستقبلها ویحل رموزها ویستجیب لها، وهکذا تدور دورة الاتصال لتشکل أهم خصائص التفاعل بین الأفراد فی المجتمع الذی یحرص على قیم ومعاییر محددة تحدد المحتوى الحضاری والثقافی لهذا المجتمع حیث تشارک المفاهیم الفنیة التشکیلیة فی بناء وصیاغة أفکاره، وتعد القیم الاجتماعیة جوهر الثقافة، فإن الثقافة الفنیة التشکیلیة تتصل بالقیم والمبادئ من خلال مفاهیم التثقیف بالفن التی تعد الغایة والناتج الذی یحرص علیها الفنان لبلورة الأفکار النابعة من المجتمع.

النحت الخزفی فی العصور القدیمة:

یعد فن الخزف من أقدم الفنون المجسمة التی صاحبت الإنسان وقد ظهر مع أولى اکتشافاته وهی النار التی تصلبت بها أولى خاماته وهی الطین، هذه الخامة التی حفظت أول خطوط ورسوم عبر بها الإنسان من خلال فن تکون من عناصر الحیاة الأولیة (الماء والنار والتراب والهواء)، وبالرغم من أن الخزف لازم فکرة الاستخدام الیومی إلا أنه حمل الکثیر من المعانی والقیم وفلسفة کل عصر، وترکت لنا الحضارة الإنسانیة الکثیر من الأعمال التی تقرأ من خلالها الموروثات الثقافیة والحسیة للإنسان فی تلک الحضارات، وتطورت صناعة الفخار والخزف بتطور علوم الإنسان وثقافته، فکانت بدایته فخارا بسیطا، وقد تعرف الإنسان فیما بعد على طلاء الأشکال الفخاریة بطبقة من الطلاء الزجاجی، وأتاح الطلاء الزجاجی إضافة المزید من التقنیات وأسالیب إثراء الأسطح الخزفیة والتلوین ورسم الأشکال والخطوط بتقنیات کثیرة، وتمیزت بسمات فنون الحضارات التی وجدت فیها الأشکال الفخاریة والخزفیة دلیل على مواکبة فن الخزف للفنون الأخرى فی الأسالیب التعبیریة والاتجاهات الفلسفیة، وانتشرت صناعة الفخار فی أغلب مناطق الأرض وأغلب الحضارات البدائیة.

شکلت أعمال من الطینة على هیئة حیوانات فی کهف فی فرنسا وأخرى وجدت فی موقع بغرب أوروبا یرجع تاریخها إلى العصر الجلیدی، حوالی من 37000 إلى 12000 سنة قبل المیلاد.

الفن البدائی

ونجدالفن البدائی أو فن العصر الحجری الذی ظهر فی الکهوف یعد البیت الأول للإنسان، هو تعبیر یؤکد على إدراکه ومعتقداته وانفعاله بالبیئة المحیطة.

وهکذا فالمغزى السحری للرسوم له تبریره، غیر أنه لا یجوز الاعتقاد فی أن کل الصور التی رسمها الإنسان فی العصر الحجری کانت تحتوى على مثل هذا المغزى، فهناک أیضاً فن یرجع إلى هذه الفترة قد تحقق بالتأکید بفضل متعة الإنسان الأول بعملیة الخلق والإبداع.

ووجدت فنون وصناعة الفخار والخزف أیضاً فی الصین والهند وفارس وبلاد الإغریق والرومان وأفریقیا، وکانت بدایة فن الخزف عن طریق التشکیل الیدوی ویتم حرقها فی قمائن، ولم یخل الشکل الخزفی من الفن بل خط الإنسان الأول أولى خطوطه الرمزیة على أسطح الأشکال، وکانت خطوطه تمثل أشکالا تجریدیة بسیطة للحیوان والإنسان وبعض الخطوط الهندسیة، وعرف الإنسان بعد ذلک عجلة الخزاف تلک الآلة البسیطة التی لا تزال حتى یومنا هذا تنتج أشکالا خزفیة تتسم بالرشاقة وتجریدیة الکتلة، وقد استخدم الإنسان الأول الخامات الأولیة الموجودة فی الطبیعة کالمغرة (مادة طینیة تتسم بوفرة الحدید فیها) والطینات المختلفة الألوان نتیجة ترکیبها ومصدرها فی الطبیعة لعمل طبقات من الطلاء أو الرسم بها على أسطح الشکل.

أما فن النحت الذی ارتبط بفن الخزف بکونهم فنون ثلاثیة الأبعاد وبوجود أعمال النحت الخزفیة وهو من أقدم الفنون أیضاً وأکثرها انتشارا فی حضارات العالم المختلفة، وهو من الفنون الکبرى التی کانت أساسا لتأریخ الفنون ولرصد الحرکة الفنیة عبر الأزمنة والحضارات المتزامنة والمتعاقبة، وفیه من القیم التشکیلیة والتعبیریة ما مکن النقاد والمؤرخین من دراسة سمات فنون العصور والحضارات الإنسانیة التی تنوعت فی أهدافها وأسالیبها وصیاغتها وأیضاً خاماتها، وذلک تبعا لفلسفتها ومعتقداتها ومکونات البیئة، ولقد کان الفن بشکل عام ومن ضمنه فن النحت یتجه فی حضارات العالم الکبرى نحو الارتباط بالعقائدیة ففی الفن الفرعونی کان الفن یتجه إلى الرصانة والقوة التی عبر عنها بصنع التماثیل فی وضعیة الوقوف أو الجلوس ذات الحرکة البسیطة کتعبیر عن الوقار والهیبة، وتنوعت الخامات فی العصر الفرعونی بین الأحجار الصلبة کالدیوریت وبین الخامات الأخرى کالمرمر والخشب والطینات التی تم حرقها إلى فخار، کما صنعت بعض التماثیل الصغیرة بالعجینة المصریة (المعروفة بهذا الاسم الآن) وهی العجینة الخزفیة التی یتزجج فیها جسم المنحوتة بالکامل أو ما یسمى بخزف الفیانس المصنوع من الزجاج البرکانی (کوارتز) وکانت تصنع منه الجعارین والخرز أیضاً، والفن الفرعونی دلیل إیمان الإنسان فی هذا الزمن بالحیاة بعد الموت وقدسیة الموت والبعث والخلود تلک التی بنى وشکل أعماله النحتیة من خلال إیمانه بها حیث کما عرفت التماثیل الفخاریة فی عصور ما قبل التاریخ وکانت تصبغ وترسم بالمغرة کما کان فی فن الخزف، إذ وجدت آثار لأشکال نحتیة خزفیة فی حضارات أخرى من حضارات ما قبل التاریخ، کالحضارة الفینیقیة والصینیة.

وللنحت فی الحضارة الصینیة منذ أبعد العصور صلة مباشرة بالخزافین، حتى لیمکن القول بأن أجمل آثار النحت کان من إنتاج الخزافین الذین کانوا یحتلون مکانة مرموقة فی عالم الفن منذ عهد أسرة هان، وظلت مکانتهم تتزاید یوما بعد یوم حتى استغرقت عهد حکم أسرة سونج ومینج.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صورة لتمثال

أوشابتی من مقبرة ستی الأول - وادی الملوک

حوالی 1290 قبل المیلاد

 

نجد فی هذا الأوشابتی ارتباط الشکل بمضمون العقیدة الفرعونیة والتقالید الفرعونیة فی صیاغة الأشکال النحتیة للملوک فی هیئة الرصانة الوقار وعادة التحنیط التی تتناسب ومفهومهم عن البعث والخلود، وبرغم صغر التماثل إلا أنه صانعه اهتم بالکتابة الفرعونیة التی تمثل حکمة أو تعریف بشخصیة المتوفى والکتابة نفذت بالطلاءات الزجاجیة مما یجعل العمل متضمنا صیاغة الکتلة النحتیة بالأسلوب الفرعونی وبتقنیات خزفیة ویحمل أیضاً المضمون الفلسفی الذی یرتبط بالحضارة الفرعونیة، ویمیل العمل کنحت خزفی إلى تصنیفه کعمل فنی جمالی وعقائدی.

ومن أهم الحضارات الشرقیة القدیمة تلک الحضارة التی ظهرت فی بلاد الشام والتى تسمى بالحضارة الفینیقیة والتى یختلف المؤرخون فی العلاقة بین أهل کنعان وفینیقیا، والکنعان هم من یطلق علیهم السامیین وقد سکن الفینقیون نفس مناطق الکنعانیین، واعتقد الفینیقیون فی الحیاة الثانیة بعد الموت تماما کما اعتقد قدماء المصریین من قبل فمنطقة الشام ومصر وشبه الجزیرة العربیة ترتبط بنزول الدیانات السماویة التی أثرت على فلسفة فنون حضارات تلک المنطقة.

ویرى الباحث أن هذا التشابه بین حضارات العالم العربی القدیم یأتی أیضاً من أن هذه البقعة من العالم کانت مهبط الأنبیاء والرسل منذ القدم والذی کان له أکبر الأثر فی تکوین شخصیة الإنسان فی هذه المنطقة، حیث اتخذت العقیدة مکانة هامة لدیه وترکت أثرها فی حیاته الیومیة وفی ثقافته وفنونه، ولا شک أن دعوة الرسل والأنبیاء إلى عبادة إله واحد کانت دافعا للتأمل فی الغیبیات والبحث عن الحقیقة فیما وراء الطبیعة والعلاقات الخفیة بین الإنسان والطبیعة والإله والقوانین الغیر مرئیة التی تحرک الأشیاء وتربطها ببعضها البعض مما کان له أثره فی فنون الشرق القدیمة کلها.

 

 

 

 

              (اسکوس) فخار فینیقی من القرن السابع قبل المیلاد - قبرص

نرى فی هذا العمل الذی ینتمی للحضارة الفینیقیة ارتباطه بالرسوم والخطوط الهندسیة التی تمیزت بها الفترة الأولى لتلک الحضارة، وبالرغم من کونه إناء لحفظ السوائل إلا أن الفنان أضاف جزء نحتی یتمثل فی رأس حیوان لیخرج العمل عن الشکل التقلیدی للخزف، کما نلاحظ التأکید على القیمة الجمالیة للرأس بامتداد الخطوط الهندسیة من الجسم إلى الرأس لیؤکد الفنان على القیمة النحتیة والجمالیة أکثر من القیمة الوظیفیة ویؤکد على ذلک أیضاً جسم الإناء الذی یتشکل على هیئة کتلة نحتیة لجسم حیوانی ذو قاعدة توحی بأرجل للحیوان لیست ککتلة الشکل الخزفی الاعتیادی، وبالرغم من ذلک یمیل العمل إلى تصنیفه عمل استخدامی.

وکما کان النحت الخزفی موجودا فی حضارة الإنسان البدائی والحضارة المصریة القدیمة والفینیقیة وجد کذلک فی فنون حضارة الإغریق التی ذهب الفن فیها بشکل عام إلى تجسید الآلهة على هیئة البشر، واهتموا بالأساطیر وبالفلسفة حیث اهتم أفلاطون بنظریات الجمال والمدینة الفاضلة المبنیة على التخیل والتصور، کما اهتموا بالنسب والمنظور والإیقاع الحرکی ودراسة التفاصیل وکانت خامات أغلب الأعمال من الرخام والبرونز وقلة من الأعمال النحتیة الفخاریة.

 

       وعاء إغریقی من النصف الأول
        من القرن السابع قبل المیلاد - جزیرة أجینا

یجمع هذا الشکل بین تقنیات الخزف فی بناء الشکل المفرغ وإثراء السطح الخارجی بالملامس وبین التشکیل النحتی لرأس طائر وهو فوهة الشکل التی أضافت الشعور بالقوة التی تمثل قیمة هامة فی الحضارة الإغریقیة والتى عبرت عنها خطوط وکتلة الرأس وربط الفنان بینها وبین الشکل الخزفی من خلال عنق الإناء التی أخذت شکل عنق الطائر وملمس الریش، ثم انتهی بالزخارف الإغریقیة التی تنفذ على الأوانی التقلیدیة، کما أن الشکل الخزفی یتخذ استداره قویة تؤکد القیمة التعبیریة للشکل النحتی.

النحت الخزفی فی العصر الإسلامی:

وفی الفن الإسلامی ازدهر فن الخزف، وتنوعت تقنیاته لامتداد الدولة الإسلامیة واحتضانها للعدید من الحضارات ففی إیران التی تمیزت فی هذا الفن نجد العدید من المدن التی أثرت صناعة الخزف مثل قاشان التی سمى القاشانی نسبة إلیها، وفی مصر التی عاصرت دولا إسلامیة کثیرة ذات جذور تاریخیة مختلفة فمن فنون بلاد فارس شرقا إلى فنون الدولة الفاطمیة من المغرب العربی اکتسب فن الخزف فی مصر تقنیات وجمالیات من فنون إیران والمغرب العربی وهکذا تنوعت تقنیاته بین الزخارف البارزة أو المرسومة أو المحزوزة تحت الطلاء الزجاجی.

 فن الفخار والخزف من أهم الحرف الفنیة التی مارسها الفنان العربی

وإرتباطه بالمجتمع

 ونجد ذلک منذ أن توطدت أرکان الإسلام فی مختلف أرکان الامة العربیة، وذلک لأن فن الفخار والخزف حققا فکرة الحضارة الإسلامیة فی جوانب متعددة، بل وصلوا إلى أن یکون إنتاجهم الخزفی من الأوانی والتحف الفنیة المختلفة یصلح من حیث الفخامة والجمال لأن یکون بدیلا لأوانی الذهب والفضة باستعمالهم للبریق المعدنی الذی یعتبر صفة خاصة انفرد بها الخزف الإسلامی التى تخدمة أفراد المجتمع .

وجدت أیضاً أعمال نحتیة خزفیة تمیزت بالبریق المعدنی کأحد أهم التقنیات التی یتمیز بها الخزف الإسلامی واتسمت من الناحیة الشکلیة بتوافقها مع فنون العصر آنذاک الذی کان یصنع فنه مرتبطا بالوظیفة والتعبیرلخدمة المجتمع.

 

 

خزف ذو بریق معدنی - إیران (7-8هـ) المتحف الإسلامی

وهکذا وجد أیضاً النحت الخزفی فی الفنون الإسلامی متمیزا بسمات الخزف الإسلامی کالبریق المعدنی الذی اشتهر به الخزف الإیرانی خاصة، وکذلک نجد هذا الشکل النحتی قد اتخذ شکل الملوک فی المنمنمات الإیرانیة من حیث شکل الوجوه وطریقة الجلوس والملابس مما یؤکد تنوع فن النحت الخزفی والفن الإسلامی بشکل عام بتنوع فلسفة وصیاغة فنون الأقطار المختلفة فی الفن الإسلامی حیث اهتمت الفلسفة الإسلامیة باستیعاب ثقافة وفنون الحضارات المختلفة.

أما فی عصر النهضة فقد تغیرت بعض المفاهیم الفلسفیة فقد اتجه الفنانین إلى التعبیر عن الدنیویات وإن کان للمعتقدات الدینیة امتداد فی فنون هذا العصر واتجهت نحو الکنیسة ولم تتغیر الأسالیب التشکیلیة کثیرا إلا فی عصر الفن الحدیث الذی تغیرت فیه ملامح الفنون وفلسفتها کثیراً، وبالرغم من وجود أعمال النحت الخزفی فی العصور القدیمة، إلا أنه لم تتعرض الدراسات التاریخیة والنقدیة لوجود هذا الفرع من الفنون فی عصر النهضة، ولکنه ظهر فی عصر الفن الحدیث مرة أخرى.

الخاتمة:

فی نهایة هذا البحث المتواضع والذی حاولت فیه قدر جهدی أن أتتبع تطور فن الخزف عبر العصور وفی نفس الوقت أدرس العلاقة والارتباط بین فن الخزف والمجتمعات المختلفة کانت هناک بعض النتائج والملاحظات، أهمها أنه على الرغم من التباین الشدید بین أغلب الحضارات إلا أن کل هذه الحضارات قد استخدمت الخزف سواء فی صورة أدوات تساعد فی الحیاة الیومیة أو للزینة والرفاهیة وأحیانا کمزیج منهما.

وثانی هذه الملاحظات أن فن الخزف یکاد یکون مقیاس تطور الفن عند الحضارات المختلفة، فکل الحضارات المعروف عنها الاهتمام بالفنون بصورة عامة مثل الحضارة الفرعونیة والصینیة والإسلامیة کانت لها بصمة خاصة وطابع ممیز فی فن الخزف وعلى العکس فإن المغول المعروف عنهم الهمجیة لم تکن لهم إنتاجات أدبیة أو فنیة تذکر.

وکذلک التقارب بین الحضارات یسهل الاقتباس والتبادل الثقافی مثل صوریا التی تأثرت أولا بالطابع الرومانی ثم بالطابع الآسیوی.

ومن الملاحظ بشدة تأثیر البیئة على التطور والإبداع الفنی، فالخامات الطبیعیة أعطت التفوق للصینیین رغم کل محاولات التقلید من الحضارات الأخرى، وکذلک الحضارة الإسلامیة المعروفة بالتفوق العلمی خاصة فی الکیمیاء والتراکیب وقد ابتکرت الخزف ذو اللون المعدنی وهو ابتکار تمیزت وانفردت به.

 

التوصیات:

-         رفع مستوى الحرفی فی کافة النواحی الصحیة والاجتماعیة والثقافیة حتى یتم الاستفادة من ذلک فی مستوى أعماله.

-         ربط المتعلم بالتراث والثقافة المحلیة فی مجال الخزف لتنمیة الابتکار والإبداع لدیه.

-         استخدام خامات محلیة شعبیة متوفرة وتتمیز بانخفاض تکلفتها.

-         کما توصى الباحثة بأهمیة وضع خطة تهدف لتنمیة حرفة الفخار حیث اتضح أن هناک ممیزات للحرف التقلیدیة تجعلها تبدو ناجحة کمشروعات صغیرة، وصغیرة جدا لمستقبل التنمیة فی مصر، هناک مشاکل تقابل التنمیة الحرفیة عامة.

-         کما توصى الدراسة بأهمیة وضع قاعدة من البیانات حول ما یخص هذا المنتهج "الفخاری"، حتى یتسنى لنا تنمیة الإنتاج، ومعرفة طرائق الحفظ علیه وتجدید استخدامه وکان لزاما علینا لوضع هذه الخطة اختیار فنان تشکیلی تخصصه الأساسی فن الخزف ومثقف فی المجال الفنی بشکل عام، أو شخص محب للمجال، ملم بالظروف حول الحرفة والعاملین فیها والمنتج نفسه.

-         إلقاء الضوء على القیم والمعتقدات المتوارثة والأسالیب المستحدثة والخامات التقلیدیة والبیئیة المستخدمة فی إنتاج الفنون والمنتجات التقلیدیة والشعبیة والعمل على تطویرها وإحیاء ما انقرض منها.

-         التعرف على العوامل المؤثرة بالسلب أو الإیجاب فی تطور الصناعات التقلیدیة المصریة وتحدید المشاکل التی تعوض تطورها وانتشارها.

-         مناقشة برامج تطویر وتحدیث الصناعات التقلیدیة ومتطلبات جودة منتجاته.

-         التعریف بالمنتج التقلیدی المصری وکیفیة دعم قدراته التنافسیة للتوافق مع المتغیرات العالمیة وتوفیر المعلومات والدراسات التی تدعم تأصیل المنتج التقلیدی المصری.

-         اقتراح البدائل التی تساعد على جذب جیل جدید من الصناع والحرفیین للعمل فی مجال الصناعات التقلیدیة التی کادت أن تنقرض.

-         إفراد بعض الدراسات التی تتناول مراکز التدریب الحرفی لإنتاج الخزف، ومناقشة هیاکل وأسالیب التدریب والتأثیر البیئی والجغرافی على عملیات التدریب.

1- ارنست کوتل: الفن الإسلامی، ترجمة د. أحمد موسى.
2- أدولف أرمان وهرمان رانکة: مصر والحیاة فی العصور القدیمة، ترجمة د. عبد المنعم أبو بکر ومحرم جمال.
3- ف.هـ.نورتن: الخزفیات ترجمة سعید الصدر.
4- د. عبد الغنی النبوی الشال: فن الخزف.
5- د. محمد أنور شکری، الفن المصری القدیم.
6- د. محمود إبراهیم حسین: الخزف الإسلامی فی مصر.
7- سریة صدقی: التربیة الفنیة وثقافة المواطن، نظریة تحلیلیة، المؤتمر الرابع الفن وثقافة المواطن، کلیة التربیة الفنیة، جامعة حلوان، 1992م. .
8- د. محسن محمد عطیة: موضوعات فی الفنون الإسلامیة.
9- م. عنایات المهدی: إعداد وزخرفة الخزف.
10- د. نجیب میخائیل إبراهیم، مصر والشرق الأدنى القدیم (الجزء الأول).
11- محمد على کمال الدین: الشرق الأوسط فی موکب الحضارة (الجزء الأول).
12- د. عبد الحمید زیاد: مصر الخالدة.
13- زکریا إبراهیم، مشکلة الفن، مکتبة مصر، القاهرة، 1969م.
14- هربرت رید: تربیة التذوق الفنی، ترجمة یوسف میخائیل أسعد، دار النهضة العربیة، القاهرة 1975م